حولة اللغة الكوردية
بقلم : جمال حمي
أكادُ أجزم أن الشعب الكوردي هو الشعب الوحيد في العالم الذي لم يكتب تاريخه بنفسه وبيده ، والآخرون هم من كتبوا عن الكورد وعن تاريخهم ، ومعظم الذين كتبوا عن الكورد حاولوا طمس هوية هذا الشعب الأصيل والذي يعتبر من أقدم الشعوب التي سكنت الأرض ، وحاولوا تضليل الناس وتشتيت أذهانهم واقناعهم بأن الكورد كعرقية قائمة بحد ذاتها لا وجود لها وأنها من اختراع الغرب ومن آكاذيبهم ومن تخيلات المثقفين الكورد ، بإستثناء قلة قليلة أمثال محمد أمين ذكي الذي كتب كتاب تاريخ الكورد وكوردستان ، وجهده كان مباركاً يُشكر عليه .
أما معظم كتابات غير الكورد عن الكورد وتاريخهم ، فلم تخلوا من الحقد على هذا الشعب ، فتارةً كانوا ينسبونهم الى بدو الفرس وتارةً أخرى يصفونهم بالعصابات وقطاع الطرق واللصوص والمرتزقة أو بقايا شعوب اندثرت ، وتارةً أخرى يضللون الناس بمحاولة اقناعهم كذباً بأنه لاتوجد لغة موحدة بين الكورد تُكتب وتُقرأ ، ضاربين بعرض الحائط مسألة أنهم شعبٌ يقبع تحت الإحتلال ويتعرض الى الظلم والإضطهاد والى محاولة طمس هويته وأنه ممنوعٌ عليهم حتى تعلم لغتهم في مدارس تخصهم لوحدهم ، وفي كثيرٍ من الأحيان أيضاً ، كانوا يُمنعون من التحدث بلغتهم في الآماكن العامة ولا سيما في الدوائر الرسمية .
والمشككون باللغة الكوردية خلطوا مابين اللهجات وزعموا بأنها لغات عديدة يتحدث بها الكورد بحسب المناطق التي يتواجدون فيها والموزعة بين الدول التي صنعها الإستعمار الغربي كسورية وتركيا وايران والعراق ، لذا كان ينبغي أن يعمل الكتّاب والمثقفون الكورد ومفكريهم على كتابة تاريخهم بأنفسهم وبأيديهم كسائر الشعوب والأمم حول العالم ، بدل الإنشغال في تلميع صور قادات أحزابهم والتطبيل لهم صباح مساء ، وترك الآخرين يشوهون تاريخهم ويسرقون عظمائهم التاريخيين وينسبونهم الى العرب والترك والفرس بقصد الإيحاء بأن الكورد شعبٌ بلا تاريخ ، لايوجد عندهم عظماء صنعوا التاريخ ، وأن الشعب الكوردي كان يعيش على هامش التاريخ وكان عالة عليه ، وليس لديه اسهامات بارزة في صناعة تاريخ المنطقة والعالم .
ولعل مسألة تعريب أهم شخصية كوردية تاريخية كشخصية صلاح الدين الأيوبي والزعم بأنه بطل عربي كما ورد في معظم الكتب المدرسية التاريخية في الدول العربية خير دليلٍ على أن الكورد تعرضوا الى طمس هويتهم بشكل سافر ، علماً أن معظم المراجع التاريخية الإسلامية والغربية أيضاً أكدت بأن صلاح الدين الآيوبي كان كوردياً أصيلاً ! ولهذا يحق لنا تنقيح تاريخنا الكوردي بأنفسنا وتصحيحه مما لحق به من تحريف وتزوير ، واستعادة ماسرقه منّا الآخرون .
وهنا نحن نتساءل ، كيف يمكن لشعب وأمة يبلغ تعدادها خمسين مليوناً أن تخترع لغة بنفسها وبحسب بعض المتفزلكين من العرب والمشحنونين بالحقد والعنصرية على الكورد وبحسب مزاعمهم طبعاً ، وكيف يمكن أن نقتنع بأن خمسون مليون انساناً موزعون على أربع دول كسورية وتركيا والعراق وايران يفصل بينهم حدودٌ معينة ، أن يتشاركوا في مؤامرة واحدة لإختراع لغة وابتكار قومية وعرقية معينة والإدعاء بأنهم أمة واحدة وعرقية قائمة بحد ذاتها ، ثم يطالبوا بعدها بدولة قومية تخصهم وحدهم ؟
أليس هذا كذب وافتراء على الكورد من قبل أولئك الذين زعموا أنه لا وجود لعرقية كوردية ولا توجد عندهم لغة مشتركة واحدة ، فهم استندوا على اختلاف اللهجات لدى الكورد زاعمين بأنها لغات عديدة مع أنها لهجات وليس لغات ، وكلها تتشارك في أصل اللغة الكوردية وتتفرع عنها ، فلو أخذنا العربي السوري كمثال ، فهل يستطيع أن يفهم على لهجة العربي التونسي أو المغربي بشكل جيد أو العكس مثلاً بدون مشقة ؟ ، وهل يمكننا البناء على ذلك والقياس بنفس منطقهم الغريب هذا ، وأن نقول بعدها بأن العرب لايتحدثون بلغة واحدة وأنهم مجرد قوميات عديدة وليسوا شعباً واحداً ؟
ولو أخذنا سورية كمثال أيضاً ، سنجد بأن لهجة ابن الساحل تختلف عن لهجة ابن الرقة أو دير الزور ، وأن لهجة سكان دمشق تختلف عن لهجة أهل حلب ، بل سنجد عدة لهجات مختلفة حتى ضمن مدينة واحدة في سورية كدمشق على سبيل المثال ، وأنا أذكر عندما كنت أقيم في لبنان ، كنت أضطر أحياناً أن أترجم كلام شخص ( شاوي ) من ريف الرقة يتحدث باللهجة البدوية الى لبناني من سكان برج حمود ذات الأغلبية المسيحية في بيروت الشرقية ، فإختلاف اللهجات وصعوبة فهم هذه اللهجة على أصحاب اللهجات الأخرى ليست دليلاً علمياً ومنطقياً كي نقول بأن هذه لغات مختلفة ، وأن نبني عليها .
ففي ألمانيا مثلاً ، تجد فيها عدة لهجات ، والبعض منها يصعب فهمها بالنسبة لسكان المناطق الأخرى من ألمانيا ، وكذلك تجد بأن الإنكليزية البريطانية تختلف عن الإنكليزية الأمريكية ، وهذه لهجات ولكنات وليست لغات مختلفة ، فقضية اختلاف اللهجات ضمن أبناء القومية الواحدة وأبناء العرقية الواحدة ، واعتمادها على أنها لغات مختلفة ، تدل أما على حقد وعنصرية وتزييف للواقع في قلوب من يستند عليها في تقييم الشعب الكوردي ، أو أنها تدل على حماقة وغباء قائلها ، وفي كلا الحالتين لا مصداقية لهذه الأصوات ، ولا يوجد أي اعتبار علمي ومنطقي لأقوالهم هذه ، وكل ما يمكننا فعله ازاء هذه التصريحات والآقاويل والمزاعم ، هو أن نضحك عليهم ونسخر منهم ، وأن لا نقيم وزناً لها ، لأنها لا قيمة لها في سوق العقل والمنطق وفي سوق العلم والعلماء .
لاشك أن اللغة هي أساس القومية وأساس أي جماعة عرقية معينة سواء كانت كبيرة أم صغيرة ، وهي التي تحدد الهوية القومية والعرقية لهذه الجماعة البشرية أو تلك ، وتميّزها عن أقرانها من الجماعات البشرية الأخرى ، فيمكن أن تتشارك بعض الشعوب العادات والتقاليد والثقافة نفسها الى حدٍّ ما بحكم الجيرة والعِشرة والإختلاط ، لكن لايمكن أن تتشارك عدة عرقيات في لغة واحدة تجمعها ، الا في حالة واحدة ، كأن تكون تلك اللغة التي تجمعهم ، لغة تواصل عالمية كالإنكليزية مثلاً والتي يتحدث بها الكثير من سكان الأرض اليوم ، وهي اللغة التجارية وبحكم أن بريطانيا احتلت معظم دول العالم وفرضت لغتها عليهم ، لكن ومع ذلك فقد حافظت كل قومية على لغتها الأم ، كما لا يمكن أيضاً أن يقوم شعبٌ ما على اختراع وابتكار لغة خاصة به، لأن مسألة اللغة هي من الأمور المعقدة جداً ، فقد يصنع الإنسان سيارة أو طائرة أو سفينة لكن يستحيل عليه أن يصنع لغة وأن يبتكرها .
هنالك ستة آلاف لغة محكية حول العالم اليوم وبحسب تقارير الأمم المتحدة ، ومنها اللغة الكوردية فهي معترف بها في تقارير الأمم المتحدة ، ومؤخراً تم اضافتها الى ترجمة غوغل ، ويتحدث الكورد اليوم بأربع لهجاتٍ رئيسية ، وهي الكورمانجية والصورانية والظاظاكية واللورية ، ومنها تتفرع عدة لهجات أخرى أو بمعنى أدق لكنات كثيرة تتشارك في أصل اللغة الكوردية نفسها والتي تعتبر من اللغات الآرية والإيرانية والهندية القديمة ، تطورت مع الوقت وأخذت الشكل الذي نعرفه اليوم ، مثل بقية شعوب المنطقة والعالم ، وهذا أمر طبيعي جداً ، فلهجات العرب كانت كثيرة قبل نزول القرآن الذي نزل بلغة أهل قريش ، فتم اعتماد لهجة قريش على أنها لغة عربية فصحى تجمع جميع العرب ، واندثرت بقية اللهجات العربية الأخرى .
لكن هؤلاء الذين يحومون حول اللهجات الكوردية الكثيرة ويريدون من خلالها الزعم بأنها لغات عديدة وليست لهجات ، انما هم يريدون النيل من اللغة الكوردية والتشكيك بها ، وعلى مبدأ اذا ضربت الرأس سيتهاوى بقية الجسد ، لأنهم يعلمون جيداً في قرارة أنفسهم أن اللغة هي أساس أي قومية وعرقية ما ، وهي من تحدد هويتهم العرقية وتميزها عن باقي القوميات ، لذلك تجدهم يطعنون في أساس اللغة الكوردية كي يُظهروا للناس بأنه لا وجود لقومية كوردية ، وهذا أسلوب رخيص بطبيعة الحال ، ويدل على عنصريتهم وحقدهم على الشعب الكوردي .
وحتى نفهم لِمَ اختراع اللغة من قبل البشر هو أمرٌ يستحيل عقلاً ومنطقاً من الناحية الدينية الشرعية ومن الناحية العلمية والمنطقية أيضاً ، ينبغي لنا تسليط الضوء على مسألة اللغة في القرآن الكريم والتي عبّر عنها الله تعالى في القرآن بوصفه لها ( ألسُن ) وهل مسألة اختراع اللغة تقع ضمن حدود امكانيات البشر ، أم أنها تقع ضمن بديع صنع الله تعالى في ملكه العظيم ، فيقول الله تعالى ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ (٢٢) سورة الروم .
وحتى نفهم ما معنى كلمة ( الآية ) أو من ( آياته ) كم وردت في هذه الآية الكريمة وغيرها ، لا بد أن نعرف الفرق بينها وبين المعجزة التي حصلت على أيدي الأنبياء والرسل عليهم السلام ، والفرق بين المعجزة أيضاً وبين الكرامة التي تقع عادةً على أيدي الأولياء والصالحين .
الكرامة ، يتعلق بعضها بالدنيا كأن ينال بعض قضاء حوائجه الدنيوية، وذلك إذا كان معيناً على أمور الدين ، فكان من تمامه كما حصل لعمر رضي الله عنه فقد كان بالمدينة على المنبر فقال: “يا سارية الجبل الجبل”، وهو يخاطب بذلك سارية بن زنيم وهو قائد سرية من سرايا جيوش المسلمين في أرض فارس ، وقد سمع سارية وأصحابه كلام عمر وكانوا في الصف في مواجهة العدو، فاستندوا إلى الجبل فدافعوا عن أنفسهم حتى فُتِحَ لهم ، وغيرها الكثير من الكرامات التي وقعت على أيدي الأولياء والصالحين يصعب حصرها .
أما المعجزة ، فهي التي تقع على أيدي الأنبياء والرسل والتي تكون بمدد من الله تعالى ، تكون دليلاً على صدق هذا النبي أو ذاك ، والأمثلة كثيرة في هذا الصدد ، كمسألة انفلاق البحر بعصا موسى عليه السلام كي يتجاوز ببني اسرائيل الى الضفة الأخرى هرباً من فرعون وجنوده ، وكذلك مسألة احياء الموتى كالتي كان يقوم بها عيسى بن مريم عليه السلام ، حيث كان يبرىء الأكمة أي الذين يُخلقون وهم عميان ؟ وكذلك نفخ الروح في الطيور وغيرها ، وكذلك أيضاً معجزات النبي محمد عليه الصلاة والسلام الكثيرة ومنها شق القمر ومعجزة القرآن الكريم وغيرها من المعجزات التي اختص بها الأنبياء وحدهم ، عليهم الصلاة والسلام ، وهي كانت بمثابة أدلة صارخة وواضحة على صحة نبوتهم وصدقهم ، وكلها كانت تقع بمدد من الله تعالى يجريها على أيديهم ليثبتهم ويقوي عزيمتهم بها ، وحتى يؤمن الناس أيضاً بأنهم أنبياء ومرسلون من الله تعالى .
أما الآية ، فهي الأمر الذي لايستطيع فعله أحدٌ الا الله وحده ، وقد أخبرنا بها الله تعالى في مواضع كثيرة في القرآن الكريم ومن ضمنها آية اللغة أو اللسان ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ (٢٢ ) الروم ، ولا فرق اذا قلنا عنها لغة قومٍ أو لسان قومٍ ، فكلا المعنيين واحد لا فرق بينهما ، وها أنا قد أثبت لك عزيزي القارىء بأن اللغة أو اللسان انما هي من بديع صنع الله تعالي والذي لايقدر غيره على صنعها أو ابتكارها، وبيّنت لك أنه لا يستطيع قومٌ مهما بلغوا من القوة ومن العلم أن يخترعوا لغة من عند أنفسهم ، ومن ضمنهم الكورد بطبيعة الحال ، فهم يتحدثون اليوم بلغة صنعها الله ولا دخل للكورد فيها لا من قريبٍ ولا من بعيد ، وكل ما قيل ويقال بحق اللغة الكوردية من قبل موتورين وحاقدين سواء كانوا من العرب أو الترك أو الفرس وغيرهم ، انما هي افتراءات لا أساس شرعي وديني لها ، ولا تستند الى أي أدلة منطقية وعلمية .
أما من الناحية العلمية ، فلم يثبت لنا حتى الآن أن العلماء توصلوا الى اختراع لغة وابتكارها ، مع أن قضية الألسن واللغات شغلتهم كثيراً ودرسوها على مدى قرون عديدة ، لكنهم لم يستطيعوا ابتكار لغة معينة ، وكل ما قدروا عليه هو ابتكار آساليب للتواصل مابين الصمّ والبُكم ، أي الذين لا يستطيعون النطق ، وذلك من خلال ابتكار علم الإشارة والحركات ، وهو علمٌ مبني أساساً على حركات الشفاه التي تتحرك متخذةً آشكال الأحرف ، وضمن لغةٍ معروفة ومحكية ، تساعد الصمّ والبُكم في التواصل مع أقرانهم ومع غيرهم ، كما أنهم استطاعوا أيضاً ابتكار جهاز أطلقوا عليه اسم ” التلغراف ” وهو عبارة عن جهاز اتصالات استخدم في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، وذلك من أجل ارسال البرقيات والنصوص ، ويعتمد على ترميز الحروف بنبضات كهربائية ويتم ارسالها عبر الأسلاك إلى جهازٍ آخر يطبع تلك النبضات ، ثم تتم ترجمتها وفهمها ، وماعدا ذلك لم يستطع العلم ابتكار أي لغة بشرية حية وناطقة ومحكية ، وهنا أيضاً أثبت لك عزيزي القارئ ، أن مسألة اختراع اللغة يستحيل عقلاً ومنطقاً ، ولادليل شرعي ديني عليه ، كما أنه لا دليل علمي أيضاً عليه ، وهذا يثبت لك بأن اللغة الكوردية الموجودة اليوم ، هي من صنع الله تعالى ، وكل من زعم خلاف ذلك ، فقد شطح عن الدين والعقل والعلم والمنطق .
عزيزي القارئ ، انما أردتُ من خلال هذا البحث أن أخاطب عقلك وأحاكي ضميرك ووجدانك ، فلقد أثبت لك بالأدلة الشرعية الدينية وكذلك العلمية والمنطقية ، أن اللغة الكوردية هي مثل بقية لغات العالم ، وأنها آية عظيمة وباهرة من آيات الله الدالة على عظمته وعلى بديع صنعه ، وأنه لا يقدر أحدٌ على ابتكارها أو صنعها الا الله وحده ، وما دمت أثبت لك بأن اللغة الكوردية هي لغة حيّة ويتحدث بها ما لايقل عن خمسون مليون كوردي حول العالم ، وأثبت لك بأن اللغة هي أساس أي قومية وعرقية كانت ، فهذا سيقودني أنا وايّاك الى حقيقة وجود قومية كوردية وحقيقة وجود عرقية كوردية ، وأننا أمام حقيقة واضحة كعين الشمس لايغفل عن رؤيتها الا العميان وحدهم .
وإذا كانت هنالك كلمات عربية أو تركية أو فارسية دخيلة على اللغة الكوردية اليوم ويستخدمها الكورد ، فهذا الأمر طبيعي جداً ، لأن الشعب الكوردي تم تقسيمه وتوزيعه على أربعة دول صنعها الإستعمار الغربي ، كسورية وتركيا والعراق وايران وفي غيرها أيضاً ، وهذه الأنظمة فرضت لغتها وثقافتها على الشعب الكوردي ، ومنعته من أن يتعلم لغته في مدارس خاصة باللغة الكوردية ووفق قواعد اللغة الكوردية ومفرداتها الأصيلة ، فكان من الطبيعي جداً أن تنتقل العديد من الكلمات والمفردات العربية والتركية والفارسية الى لغتهم ، فالكورد في كوردستان سورية ، تجدهم يستخدمون بعض الكلمات العربية في آحاديثهم ، وكذلك تجد الكورد في كوردستان تركيا يستخدمون بعض المفردات التركية في آحاديثهم ، وكذلك أيضاً تجد الكورد في كوردستان العراق وايران يستخدمون العديد من الكلمات العربية والفارسية في لغتهم ، فقد مارست هذه الأنظمة سياسات التتريك والتعريب والتفريس بحق الكورد على مدى عقود طويلة ، فمن الطبيعي أن تجد الكورد يستخدمون كلمات عربية وتركية وفارسية في آحاديثهم ، لكن في المقابل أيضاً ، تجد الأتراك والعرب والفرس يستخدمون كلمات كوردية في آحاديثهم ، وذلك بسبب العِشرة والإختلاط مابين هذه الشعوب ، وبالرغم من كل هذا وذاك ، استطاع الشعب الكوردي الصمود في وجه هذه الحروب الجائرة والظالمة التي طالت لغتهم ، فحافظوا على لغتهم وثقافتهم وأصالتهم الكوردية ، وأنا أعتبرها بمثابة معجزة كبيرة ، لأنهم صمدوا أمام كل هذه الهجمات الشرسة ، ولولا أنهم شعبٌ أصيل ومتمسك بلغته وبقوميته وعنيد أيضاً ، لضاعت اللغة الكوردية واندثرت واندثروا معها ، ولكنا الآن نتحدث عن وجود قوم يطلق عليهم الكورد اندثروا كما اندثر الفراعنة وغيرهم من قبل .
اذا كان الإنسان أضعف من أن يخترع لغة ما ، فمن بابٍ أولى أن يعجز أيضاً عن خلق وايجاد قومية أو عرقية ما ، لأن هذه أيضاً من بديع صنع الله تعالى واعجازه في هذا الكون والذي لايقدر عليه الا الله وحده ، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣ ) الحجرات ، وكلمة ( وَجَعَلنَاكُم ) هنا كما وردت في هذه الآية الكريمة وبحسب معظم تفاسير القرآن الكريم ، تعني ( خلقناكم ) والخلق هو شأن الله وحده ولايقدر على ذلك غيره ، فالإنسان يُخلق كوردياً أو عربياً أو فارسياً أو تركياً … الخ ، وهذه المسألة متعلقة بالخلق ، وهذه لايقدر عليها الا خالق عظيم .
فالأتراك مثلاً يفترون على الكورد ويقولون بأن الكورد هم أتراك ، صعدوا الجبال فنسيوا لغتهم التركية وتعلموا لغة أخرى أو ابتكروها من عند أنفسهم ، ويسمونهم أتراك الجبل ! فلو سلّمنا جدلاً بهذه الفرضية الكاذبة ، فيمكننا القول بأن الإنسان يمكن أن ينسى لغته الأصلية أي لغة الأم ، ويتعلم لغة قومٍ آخرين عندما يندمج معهم ويتعلمها منهم ، لكن لابد من وجود قومٍ آخرين يتحدثون بلغة معينة ومحكية وحيّة ، بمعنى أن ينسى لغته ويستقبل لغة أخرى بديلاً عنها ، ولنفترض جدلاً أن الكورد صعدوا الجبال ، فممن تعلموا هذه اللغة التي يتحدثون بها اليوم اذاً ؟ ، لأن العلم يكون بالإستماع والتلقي ، وهذا معروفٌ عند أهل العلم .
فالإنسان عندما يولد تراه لا يعرف أي لغة ولا يستطيع النطق بأي حرف أو كلمة ، وانما يستمع اليها من أبويه ويتعلمها منهما عن طريق الإستماع والتلقي والتمرين ، واذا كان الكورد أتراكاً في الأصل كما يزعم الأتراك ، فممن تعلموا اللغة الكوردية في الجبال اذاً ، أهو من الجبال والحجارة أم من الطيور الجارحة والغزلان ؟ أليس هذا دليلٌ يثبت بأن مزاعم الأتراك لا أساس علمي ومنطقي لها ، وهي مجرد افتراءات وآكاذيب تهدف الى طمس هوية الشعب الكوردي بدافع الحقد والعنصرية والتعالي عليهم واستحقارهم لا أقل ولا أكثر ، فالكورد هم شعب وأمة قائمة بحد ذاتها ، منفصلة عن العرب والترك والفرس وغيرهم ، ويملكون كل مقومات الدولة والأمة ، من تاريخٍ ولغة وثقافة وعرق وقومية وشعب وأرض وعادات وتقاليد وغيرها ، التي تعطيه الحق في التحرر واقامة دولة كوردية على أرضه التاريخية ، أرض آباءه وأجداده .
وقد افترى شيعة الفرس أيضاً على الشعب الكوردي ونسجوا آحاديث كاذبة عنهم ونسبوها زوراً الى أهل بيت النبوة ، وزعموا بأن الكورد صنف من الجن ، فقد روى الكليني في الكافي وهو من كبار أحبار الشيعة فقال : عن أبى الربيع الشامي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت : ان عندنا قوما من الأكراد ، وأنهم لا يزالون يجيئون بالبيع ، فنخالطهم ونبايعهم ؟ قال : يا أبا الربيع لا تخالطوهم ، فان الأكراد حي من أحياء الجن ، كشف الله تعالى عنهم الغطاء فلا تخالطوهم (الكافي ٥/١٥٨ رياض المسائل للسيد علي الطباطبائي ج١ ص٥٢٠ جواهر الكلام – الشيخ الجواهري ج ٣ ص ١١٦ من لايحضره الفقيه – الشيخ الصدوق ج ٣ ص ١٦٤ (تهذيب الأحكام – الشيخ الطوسي ٦/٤٠٥ – بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج ١ ص ٨٣ – تفسير نور الثقلين – الشيخ الحويزي ج ١ ص ٦٠١ ) وغيرهم الكثير .
ولم ترد هذه الآحاديث الباطلة عند علماء أهل السنة ، بإستثناء الراغب الأصفهاني ، والذي أورده في كتابه المسمى محاضرات الأدباء ، والراغب الأصفهاني هو أيضاً من ايران ومن مدينة أصفهان التي يعج بها اليهود ، كما أن مسألة انتماءه الى علماء أهل السنة هي مدار شك وخلاف لدى علماء السنة ، والحديث منسوب الى عمر بن الخطاب كذباً وزوراً وقد بينه الكثير من علماء أهل السنة وأنكروه ، والجن مخلوقون من النار والكورد مخلوقون من الطين كسائر البشر ، لكن خبثاء المذهب الشيعي الذين يتسترون بالإسلام لم يستطيعوا اخفاء حقدهم القديم على الكورد لأنهم وقفوا الى جانب الرعيل الأول من المسلمين وأعني الصحابة الكرام وكان لهم دور بارز في اسقاط ملك كسرى وانهاء امبراطوريتهم التي قامت أساساً على أنقاض مملكة ميديا الكوردية التي أسقطها كورش الفارسي عام ٥٤٩ قبل الميلاد ، وآقام الأمبراطورية الفارسية على استعباد الشعوب واحتلال أرضها وسرقة خيراتها من العرب والكورد وغيرهم ، ومن يدرس الشخصية الفارسية جيداً سيدرك بأنها تتصف بالحقد والتعالي والتكبر على خلق الله ، فالفارسي أيضاً يشعر بأنه شعب الله المختار وأن عرقه من أطهر الأعراق قاطبةً ، كما أن تسع أعشار الدين الشيعي المُخترع يقوم على التقية أي الكذب ، وكلماً كان المرء كذوباً أكثر كان شيعياً متديناً أكثر ! ولا مصداقية لما يصدر ممن كان تسع أعشار دينه الكذب ، لذا فإن فرية أن الكورد صنف من الجن هي من أسخف ما قد مر على عقول البشر وجرى على ألسنتهم .
وان مسألة اثبات انتماء الكورد الى الجنس البشري ونفي انتمائهم الى الجن هي مسألة سهلة وبسيطة ويمكن اثباتها بالعين المجردة وبالطرق العلمية والطبية ومن خلال فحص الحمض النووي ، وكل مايمكننا فعله أمام افتراءات الفرس هو الضحك والسخرية منهم ومن معتقداتهم التي لايقبلها لا علم ولا منطق ولا يوجد عليها ربع دليل علمي ، كما يجب أن تدرج ضمن سخافات الشيعة وهرطقاتهم .
ان أكثر شيء يدعو الى السخرية والإستغراب في آنٍ معاً ، هو قول بعض المستشرقين والمؤرخين بأن الكورد هم ( بدو الفرس ) !! ، فأقول في نفسي ؟ إذا كان بدو العرب يتحدثون العربية وبدو الترك يتحدثون التركية ، فلماذا سيتحدث بدو الفرس بلغة كوردية وليس بلغة فارسية !! أليس هذا أيضاً منافٍ لأي تصورٍ وعقل ؟
فالكورد يتحدثون باللغة الكوردية من شمال كوردستان الى جنوبها ومن شرقها الى غربها بحضرهم وببدوهم ، واللغة الكوردية لغة قائمة بحد ذاتها غنية بالمفردات التي لا تجدها في أي لغة أخرى ، وأنها من بديع صنع الله ،واللغة تعني القومية والعكس صحيح أيضاً ، والشعب الكوردي قائم حي بحد ذاته يملك كل المقومات التي تملكها الشعوب الأخرى من لغة وتاريخ وثقافة وعرق وأرض وتاريخ ، ويسمّى بالشعب الكوردي هي حقيقة دامغة لا يجادل فيها الا أحمق يستخف بعقله أو مفتري وكاذب ، فالكورد هم من خلق الله عِرقاً وقوميةً ولغةً ، فقد حان الوقت كي نغوص معاً في التاريخ الكوردي ونغرف من معينه ونستخرج كنوزه ونعرف متى وجدوا على وجه الأرض ومن هم أجدادهم وأسلافهم الأولون وأين كان تواجدهم ؟
( كوردستان )
هي كلمة مكونة من كلمتين على اعتبار أن اللغة الكوردية هي من اللغات الإلصاقية والتي تعني دمج كلمتين مع بعضهما البعض كاللغة السومرية القديمة والإنكليزية والألمانية وغيرها ، وهي تجمع مابين كلمتي ( كورد و ستان ) .
انّ كلمة ( ستان ) التي ترافق أسماء العديد من الدول في قارة آسيا مثل باكستان وأفغانستان وهندوستان وتركمانستان وطاجكستان وأوزبكستان وغيرها من الدول التي ينتهي اسمها بعبارة ( ستان )
هي كلمة فارسية قديمة وتعني ( أرض ) أو ( موطن ) أو ( مكان ) وهي مشتقة من كلمة ( شتانا ) الهندية الآرية ، وعندما نقول باكستان ، فنحن نقصد ( أرض الباك ) وعندنا نقول أفغانستان ، فنحن نقصد ( أرض الأفغان ) وعندما نقول كوردستان ، فنحن نقصد ( أرض الكورد ) وموطنهم الذي عاش فيه أسلافهم القدامى ، أما تسمية الكورد ومعناها ، فلايمكننا الإعتماد على معاجم اللغة العربية لأنها كلمة ليست عربية بالأصل ، والعرب لايجيدون لفظها بالشكل المطلوب حتى ، فمن بابٍ أولى أنهم سوف لن يعرفوا معناها وأصلها أيضاً ، أما معنى كلمة الكورد فهي كانت مدار جدل وخلاف بين علماء التاريخ و
” الأتيمولوجيا ” لكن معظمها توقفت عند تفسير أنها تعني الأبطال والمقاتلين الأشداء والأقوياء ، وهذه الصفات أكدها القرآن الكريم في الآية رقم ١٦ من سورة الفتح ( قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ۖ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا ۖ وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) وقد فسّر أبو هريرة رضي الله عنه هذه الآية وقال : انهم الكورد ونعالهم الشعر ، وكما وردت في تفسير ابن كثير ، بالمحصلة فإن هنالك شبه اتفاق بين الكثير من علماء التاريخ على أن الشعوب التي سكنت منطقة مابين النهرين وفي جبال زاغروس هم الشعب الذي نعرفه اليوم بالشعب الكوردي قبل الميلاد بستة آلاف سنة على أقل تقدير .
اللغة : هي نسق معين من الأصوات والرموز تتخذ أشكال أحرف صوتية معينة ، تصدر من الفم وبمساعدة اللسان والهواء الصادر من الرئة ، اذا اجتمعت مع بعضها البعض دون توقف تعتبر كلمة واحدة ، واذا اجتمعت عدة كلمات في نسق صوتي معين تفصل بينها مدة زمنية موزونة ، تشكل جملة واحدة ، واللغة هي وسيلة من وسائل التعبير لدى البشر للتواصل فيما بينهم وعما يجول في خواطرهم ومايريدونه ، وهذا ما يفرّقهم عن الحيوان ، ولذلك قيل أن الإنسان حيوانٌ ناطق ، واللسان هو ترجمان العقل والفكر ، ينقل الآفكار عبر حروف صوتية الى أذن المتلقي ، فيقوم عقل المتلقى بفك رموزها وترجمتها وفهمها في أجزاء من الثانية .
هنالك مايقارب ستة آلاف لغة محكية حول العالم ومعترف بها في الأمم المتحدة ومنها اللغة الكوردية التي يتحدث بها زهاء خمسين مليون انسان كوردي حول العالم ، وهي تتفرع من اللغة الهندية الأوروبية والتي تتفرع منها معظم لغات العالم اليوم ، وهي غنية بالمفردات وتتميز بجمالية تعبيراتها وتعتبر من اللغات الحيّة وفيها ميزة قلما تجدها في لغات أخرى ، فكل حرف منها يساوي كلمة أو أنها تعني كلمة أيضاً ، فحرف E مثلاً تعني نعم ، وحرف B تعني الهواء وحرف D يعني منح أو أعطى ، وحرف K يعني أعطني أو التِبِن ، وحرف N تعني ” لا ” وهكذا بقية الأحرف والتي تتكون من ٣١ حرفاً لاتينياً ومنها أحرف صامتة ومنها أحرف صوتية والتي أدخلها الى اللغة الكوردية العلامة الكوردي(مير جلادت علي بدرخان ) .
اللغة هي أساس أي قومية وعرقية ما ، والقومية تعني اللغة أيضاً ، ومفهوم اللغة أوسع من هذا بطبيعة الحال ، فهي الوطن والأرض والإنتماء والجذور أيضاً ، ومن يخسر لغة أمه وأبيه وينساها ، يفقد انتماءه الى قوميته أيضاً ، لذا عمد أعداء الكورد على منعهم من التحدث بلغتهم الأم وتعلمها قراءةً وكتابةً حتى يبعدوهم عن الآلية التي تربطهم بقوميتهم آلا وهي اللغة الكوردية ، فكانت كل حروبهم على هذه اللغة الأصيلة ، وحاولوا تشويهها والإدعاء بأنها غير موجودة ولا توجد لغة واحدة تجمع الكورد .
ان هذه اللغة العربية والتي يسمونها العربية الفصحى ، لم تكن سوى لهجة من لهجات العرب ، فعندما نزل القرآن بلهجة أهل قريش ، تم اعتمادها على أنها لغة فصحى تجمع العرب جميعهم ، ولو كان الكورد لديهم دولة الآن ، لإختاروا احدى اللهجات الكوردية المعروفة وأكثرها انتشاراً ولإعتمدوها أيضاً كلغة كوردية فصحى تُقرأ وتُكتب كي تجمع جميع الكورد وتربطهم بها ، لكن بما أن الكورد لايملكون الآن دولة واحدة تجمعهم ، فمن الطبيعي أن لانجد لهجة واحدة يتم اعتمادها على أنها لغة فصحى تقرأ وتكتب ، لذا فإنه لاقيمة للحجج التي تقول بأن الكورد لا يتحدثون بلغة واحدة ، لأنهم لايملكون دولة واحدة تحدد لهم أي لهجة سيتم اعتمادها على انها اللغة الكوردية الفصحى .
ان كتابة اللغة الكوردية قبل ظهور الإسلام ، كانت تستخدم أحرف كوردية خاصة بها كما ورد في كتاب ” شوق المستهام ” للعالم المسلم أبو بكر أحمد الكزداني” المعروف أيضا ب” ابن وحشية النبطي وهو عالم كيميائي وعالم لغوي نبطي مسلم ، عاش في القرن الثالث الهجري وله العديد من المؤلفات في الكيمياء والسحر كما ألف كتاب “الفلاحة النبطية” الذي يعتبر من أشهر المؤلفات الزراعية القديمة ، وقد تناول ابن وحشية في كتابه المسمى ” شوق المستهام ” ٨٩ لغة قديمة مع أحرفها وطريقة كتابتها مقارنةً باللغة العربية ، وذكر منها اللغة الكوردية وأورد حروفها القديمة ، وقد تم ترجمة هذا الكتاب في أوروبا عام ١٨٠٦ ميلادية على يد المستشرق النمساوي ” جوزيف همر ” .
وبطبيعة الحال مرّت اللغة الكوردية بمراحل عديدة وتطورت أسوةً بغيرها من لغات العالم ولاسيما العربية منها ، فاللغة العربية على سبيل المثال لم تكن تعرف التنقيط والتشكيل من قبل ، لكنها تطورت مع الوقت وتم تنقيطها واضافة التشكيل اليها أول مرة على يد ” أبو أسود الدؤلي ” وهو عالم عربي متخصص في علم النحو والصرف ، وقد حصل هذا في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وأن تمرّ أي لغة وطريقة كتابتها وشكل أحرفها بمراحل عديدة وتتطور ، فهذا أمر طبيعي ، وكذلك مرت اللغة الكوردية أيضاً بمراحل عديدة وتطورت أسوةً باللغة العربية وغيرها من اللغات الأخرى ، فقد استخدمت الأبجدية المسمارية والآفستائية والآرامية والماسي سورتية والأزداهية والبهلوية والعربية والأرمنية والروسية وأخيراً تم اعتماد الأبجدية اللاتينية .
واللهجات الكوردية كثيرة بطبيعة الحال لأن اللغة الكوردية غنية يتحدث بها اليوم خمسون مليون كوردي موزعون على جغرافيا كبيرة ، ومن الطبيعي أن تحتوي على لهجات كثيرة ، ولعلنا نذكر بعضها هنا على عُجالة ، فمنها المكرية، الهكارية، الشكاكية والبايزيدية ، اللورية، الكلهورية، اللكية والگورانية والزازاكية البهدينية والصورانية والغربية والآشيتية والكوبانية والعفرينية وغيرها الكثير من اللهجات الأخرى ، وحتى لا تسول لأحد المغرضين نفسه من خصوم الكورد والزعم بأن هذا العدد الكبير من اللهجات يدل على أن الكورد ليسوا عرقاً واحداً ومتجانساً ، فنسبقه بالقول ، أن هنالك ٢٢ دولة عربية وكل دولة تتحدث بلهجة عربية معينة تختلف عن باقي الدول العربية الأخرى ، اضافة الى أن ضمن الدولة العربية الواحدة تجد أحياناً مايزيد على ثلاثون أو أربعون لهجة عربية ، وهذه ليست نقيصة لا عند العرب ولا عند الكورد ولا عند غيرهم ، وانما هي تدل على غنى هذه اللغات واتساعها ، لذا فإن الإصطياد في المياه العكرة هنا لن يجدي نفعاً ، وأقل ما يقال فيه أنه كلامٌ فارغ ، فاللغة الكوردية لغة حية وغنية وواسعة وما كثرة لهجاتها الا دليل على غناها وعلى آصالتها .